كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأظهر قولي أهل العلم عندي: أن جميع الحجاج يجمعون الظهر والعصر، ويقصرون، وكذلك في جمع التأخير في مزدلفة يقصرون العشاء، وأن أهل مكة وغيرهم في ذلك سواء، وأن حديث: «أتموا فإنا قوم سَفرٌ» إنما قاله لهم النَّبي صلى الله عليه وسلم في مكة لا في عرفة ولا في مزدلفة، وروى مالك بإسناده الصحيح في الموطأ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه «أنه لما قدم مكة وصلى بهم ركعتين، ثم انصرف فقال: يا أهل مكة: أتموا صلاتكم فإنا قوم سَفرٌ. ثم صلى ركعتين بمنى»، ولم يبلغني أنه قال لهم شيئًا، وممن قال بأن أهل مكة يقصرون بعرفة ومزدلفة ومنى: مالك، وأصحابه، والقاسم بن محمد، وسالم، والأوزاعي. وممن قال بأن أهل مكة يتمون صلاتهم في عرفة، ومزدلفة، ومنى: الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وعطاء، ومجاهد، والزهري، وابن جريج، والنووي، ويحيى القطان، وابن المنذر، كما نقله عنهم ابن قدامة في المغني، وعزا النووي هذا القول للجمهور.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: لا يخفى أن ظاهر الروايات: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم وجميع من معه جمعوا وقصروا، ولم يثبت شيء يدل على أنهم أتموا صلاتهم بعد سلامه في منى ولا مزدلفة ولا عرفة، بل ذلك الإتمام في مكة، وقد قدمنا أن تحديد مسافة القصر لم يثبت فيه شيء عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.
وأن أقوى الأقوال دليلًا: هو أن كل ما يطلق عليه اسم السفر لغة تقصر فيه الصلاة كما أوضحنا ذلك بأدلته في سورة النساء في الكلام على قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة} [النساء: 101] الآية.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد ما نصه: فلما أتمها يعني الخطبة، يوم عرفة، أمر بلالًا، فأذن، ثم أقام فصلى الظهر ركعتين، أسر فيهما بالقراءة، وكان يوم الجمعة. فدل على أن المسافر لا يصلي جمعة، ثم أقام، فصلى العصر ركعتين ايضًا، ومعه أهل مكة وصلوا بصلاته قصرًا وجمعًا بلا ريب، ولم يأمرهم بالإتمام، ولا بترك الجمع، ومن قال إنه قال لهم «أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر» فقد غلط عليه غلطًا بينًا، ووهم وهمًا قبيحًا، وإنما قال لهم ذلك في غزاة الفتح بجوف مكة، حيث كانوا في ديارهم مقيمين، ولهذا كان أصح أقوال العلماء أن أهل مكة يقصرون، ويجمعون بعرفة، كما فعلوا مع النَّبي صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا أوضح دليل على أن سفر القصر لا يتحدد بمسافة معلومة، ولا بأيام معلومة، ولا تأثير للنسك في قصر الصلاة ألبتة، وإنما التأثير لما جعله الله سببًا، وهو السفر. هذا مقتضى السنة ولا وجه لما ذهب إليه الملحدون. انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
وقد قدمنا قول من قال: إن القصر والجمع المذكور، لأهل مكة من أجل النسك، والعلم عند الله تعالى.
ولا يخفى أن حجة من قالوا: بإتمام أهل مكة صلاتهم في عرفة ومزدلفة ومنى، هو ما قدمنا من تحديدهم للمسافة بأربعة برد أو ثلاثة أيام. وعرفة ومزدلفة ومنى أقل مسافة من ذلك، قالوا: ومن سافر دون مسافة القصر أتم صلاته، هذا هو دليلهم.
الفرع الخامس: اعلم أن الصعود على جبل الرحمة الذي يفعله كثير من العوام لا أصل له، ولا فضيلة فيه، لأنه لم يرد في خصوصه شيء بل هو كسائر أرض عرفة، وعرفة كلها موقف، وكل أرضها سواء إلا موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالوقوف فيه أفضل من غير، كما قاله غير واحد، وبذلك تعلم أنما قاله أبو جعفر بن جرير الطبري والماوردي من استحباب صعود جبل الرحمة لا يعول عليه. والعلم عند الله تعالى.
والتحقيق: أن عرَنَة ليست من عرفة، فمن وقف بعرنة لم يجزئه ذلك وما يذكر عن مالك، من أن وقوفه بعرنة يجزئ، وعليه دم، خلاف التحقيق الذي لا شك فيه، والظاهر أنه لم يصح عن مالك.
المسألة الثامنة:
لا خلاف بين العلماء أنه إن غربت الشمس واستحكم غروبها، وهو واقف بعرفة، أفاض منها إلى المزدلفة، وذلك هو معنى قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس} [البقرة: 199] الآية. كما قدمنا إيضاحه في سورة البقرة.
وقد بينت الأحاديث الصحيحة كيفية إفاضته من عرفات، ففي حديث جابر الطويل عند مسلم «فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا حتى غاب القرص. وأردف أسامة خلفه. ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزِّمام. حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله. ويقول بيده اليمنى: أيها الناس! السكينة السكينة. كلما أَتى حبلًا من الحبال أرخى لها قليلًا. حتى تصعد. حتى أتى المزدلفة. فصلى بها المغرب والعشاء...» الحديث، وقول جابر في هذا الحديث: وقد شنق للقصواء الزمام، يعني أنه يكفها بزمامها عن شدة المشي، والمورك بفتح الميم وكسر الراء: هو الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل، إذا مل من الركوب. وضبطه القاضي عياض بفتح الراء قال: وهو قطعة أدم يتورك عليها الراكب، تجعل في مقدمة الرحل، شبه المخدة الصغيرة، وقوله: ويقول بيده السكينة السكينة: أي يأمرهم بالسكينة مشيرًا بيده، والسكينة: الرفق والطمأنينة، وقول جابر في هذا الحديث: كلما أتى حبلًا من الحبال: هو بالحاء المهملة، والباء الموحدة، والمراد بالحبل في حديثه: الرمل المستطيل المرتفع، ومنه قول ذي الرمة:
ويوما بذي الأرطى إلى جنب مشرف ** بوعسائه حيث اسبطرت حبالها

وقول عمر بن أبي ربيعة:
يا ليتني قد أجزت الحبل نحوكم ** حبل المعرف أو جاوزت ذا عشر

وحديث جابر هذا الدال على الرفق، وعدم الإسراع، وما جاء في معناه من الأحاديث يفسره حديث أسامة الثابت في الصحيحين «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير العنق فإذا وجد فجوة نص» والعنق بفتحتين: ضرب من السير دون النص، ومنه قول الراجز:
يا ناق سيري عنقًا فسيحًا ** إلى سليمانَ فنستريحا

والنص: أعلى غاية الإسراع، ومنه قول كثير:
حلفت برب الراقصات إلى منًى ** يجوب الفيافي نصها وذميلها

والفجوة تقدم تفسيرها بشواهده العربية في سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى: {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ} [الكهف: 17].
وإذا علمت وقت إفاضته صلى الله عليه وسلم من عرفات إلى المزدلفة، وكيفية إفاضته، فاعلم «أنه صلى الله عليه وسلم نزل في الطريق، فبال، وتوضأ وضوءًا خفيفًا، وأخبرهم بأن الصلاة أمامهم. ثم أتى المزدلفة، فأسبغ وضوءه، وصلى المغرب والعشاء بأذان واحد، وإقامتين، ولم يصل بينهما شيئًا ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، وصلى الفجر في أول وقته، حين تبين له الصبح بأذان، وإقامة، ثم ركب القصواء، حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة، فدعاه وكبره، وهلله فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس» ومن فعل كفعله صلى الله عليه وسلم فقد أصاب السنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لتأخذوا عني مناسككم» وأما من خالف في ذلك، فل يبت بالمزدلفة، فقد اختلف العلماء في حكمه إلى ثلاثة مذاهب:
الأول: أن المبيت بمزدلفة واجب يجبر بدم.
الثاني: أنه ركن لا يتم الحج بدونه.
الثالث: أنه سنة وليس بواجب، والقول: بأنه واجب يجبر بدم: هو قول أكثر أهل العلم منهم: مالك، وأحمد، وأبو حنيفة، والشافعي في المشهور عنه، وعطاء، والزهري، وقتادة، والثوري، وإسحاق، وأبو ثور.
قال النووي في شرح المهذب: قد ذكرنا أن المشهور من مذهبنا: أنه ليس بركن، فلو تركه صح حجه. قال القاضي أبو الطيب، وأصحابنا: وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف. انتهى منه.
وممن قال: بأنه ركن لا يصح الحج إلا به خمسة من أئمة التابعين، وبعض الشافعية، وأما الخمسة المذكورون: فهم علقمة، والأسود، والشعبي، والنخعي، والحسن البصري، وممن قال به من الشافعية: أبو عبد الرحمن بن بنت الشافعي، وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، كما نقله عنهم النووي في شرح المهذب، ونقله القرطبي أيضًا عن عكرمة، والأوزاعي وحماد بن أبي سليمان، قال: وروي عن ابن الزبير. وقال ابن القيم في زاد المعاد: وهو مذهب اثنين من الصحابة: ابن عباس، وابن الزبير، وإليه ذهب إبراهيم النخعي، والشعبي، وعلقمة والحسن البصري، وهو مذهب الأوزاعي وحماد بن أبي سليمان، وداود بن علي الظاهري، وأبي عبيد القاسم بن سلام. واختاره المحمدان ابن جرير وابن خزيمة، وهو أحد الوجوه للشافعية، وهؤلاء القائلون بأن المبيت بمزدلفة: ركن من أركان الحج يقولون: إن فاته المبيت بها تحلل من إحرامه بعمرة، ثم حج من قابل.
وممن قال بأن المبيت بمزدلفة سنة لا يجب بتركه دم: بعض الشافعية، وذكر النووي أن هذا القول مشهور أيضًا، لَكِن الأول أصح منه، وعن عطاء، والأوزاعي: أنها منزل من شاء نزل به، ومن شاء لم ينزل به، وروى نحوه الطبري بسند فيه ضعف، عن ابن عمر مرفوعًا، قاله الحافظ في الفتح.
فإذا علمت أقوال أهل العلم في حكم المبيت بمزدلفة، فهذه تفاصيل أدلتهم، أما الذين قالوا: بأنه واجب، وليس بركن: فقد استدلوا على أنه ليس بركن بحديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه، وقد قدمنا ألفاظ رواياته، وأنه صحيح، وقد بين النَّبي صلى الله عليه وسلم فيه «أن من أدرك عرفة ولو في آخر جزء من ليلة النحر قبل الصبح أنه تم حجه وقضى تفثه» ومعلوم أن هذا الواقف بعرفة في آخر جزء من ليلة النحر، قد فاته المبيت بمزدلفة قطعًا بلا شك، ومع ذلك فقد صرح النَّبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور بأن حجه تام.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الظاهر أن الاستدلال بهذا الحديث على هذا الحكم صحيح، ودلالته عليه هي المعروفة عند أهل الأصول بدلالة الإشارة، ومعلوم في الأصول أن دلالة الإشارة، ودلالة الاقتضاء، ودلالة الإيماء والتنبيه كلها من دلالة الالتزام، ومعلوم أن هذه الأنواع من دلالة الالتزام اختلف فيها هل هي من قبيل المنطوق غير الصريح، أو من قبيل المفهوم؟ وإلى ذلك أشار في مراقي السعود بقوله:
وفي كلام الوحي والمنطوق هل ** ما ليس بالصريح فيه قد دخل

وهو دلالة اقتضاء أن يدل ** لفظ على ما دونه لا يستقل

دلالة اللزوم مثل ذات ** إشارة كذلك الايما آتي

إلخ.
وقصدنا هنا إيضاح دلالة الإشارة دون غيرها، وضابط دلالة الإشارة هي: أن يساق النص لمعنى مقصود: فيلزم ذلك المعنى المقصود أمر آخر غير مقصود باللفظ لزوما لا ينفك، كما أشار له في المراقي بقوله:
فأول إشارة اللفظ لما ** لم يكن القصد له قد علما

فإذا علمت ذلك، فاعلم أنه صلى الله عليه وسلم، لم يذكر حديث عبد الرحمن بن يعمر المذكور لقصد بيان حكم المبيت بمزدلفة، ولَكِنه ذكره قاصدًا بيان أن من أدرك الوقوف بعرفة في آخر جزء من ليلة النحر أن حجة تام، وهذا المعنى المقصود يلزمه حكم آخر غير مقصود باللفظ وهو عدم ركنيه المبيت بمزدلفة، لأنه إذا لم يدرك عرفة إلا في الجزء الأخير من الليل، فقد فاته المبيت بمزدلفة قطعًا، ومع ذلك فقد صرح صلى الله عليه وسلم بأن حجه تام.
ومن أمثلة دلالة الإشارة في القرآن قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام الرفث إلى نِسَآئِكُمْ} [البقرة: 187] فإنه يدل بدلالة الإشارة المذكورة، على صحة صوم من أصبح جنبًا، لأن الآية الكريمة سيقت لبيان جواز الجماع في ليلة الصيام، وذلك صادق بآخر جزء منها، بحيث لا يبقى بعده من الليل، قدر ما يسع الاغتسال، فيلزم من جواز الجماع في آخر جزء من الليل، الذي دلت عليه الآية أنه لابد أن يصبح جنبًا، ولفظ الآية: لم يقصد به صحة صوم من أصبح جنبًا، ولَكِن المعنى الذي قصد به يلزمه ذلك كما بينا.
ومن أمثلتها أيضًا في القرآن قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] مع قوله: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فإن الآيتين لم يقصد بلفظهما بيان قدر أقل أمد الحمل، ولَكِن المعنى الذي قصد بهما يلزمه أن أقل أمد الحمل ستة أشهر، لأنه جمع الحمل والفصال في ثلاثين شهرًا، ثم بين أن الفصال في عامين، فيطرح من الثلاثين شهرًا أربعة وعشرون التي هي عاما الفصال، فيبقى ستة أشهر، فدلت الآيتان دلالة الإشارة على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم كما أوضحناه في سورة الرعد في الكلام على قوله تعالى: {الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى وما تَغِيضُ الأرحام وما تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8].
ومراد الأصوليين أن المدلول عليه بالإشارة لم يقصد باللفظ، أن اللفظ لا يتناوله بحسب الوضع اللغوي، مع علمهم بأن علم الله محيط بكل شيء، سواء دل عليه اللفظ المذكور بمنطوقه أو لم يدل عليه، وحجتهم في أنه واجب يجبر بدم أنه نسك، وفي أثر ابن عباس: من ترك نسكًا فعليه دم، كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى.
وأما حجة من قال: إنه ركن فهي من كتاب وسنة.
أما الكتاب، فقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فاذكروا الله عِندَ المشعر الحرام} [البقرة: 198] قالوا: فهذا الأمر القرآني الصريح، يدل على أنه لابد من ذكر الله عند المشعر الحرام بعد الإفاضة من عرفة.
وأَما السنة، فمنها حديث عروة بن مضرس، الذي سقناه سابقًا، فإن فيه «من أدرك معنا هذه الصلاة، وكان قد أتى عرفات، قبل ذلك ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه وقصى تفثه» قالوا: فقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مضرس هذا «من أدرك معنا هذه الصلاة» الحديث. يفهم منه أن من لم يدركها معهم لم يتم حجه، ولم يقض تفثه، والمراد بها صلاة الصبح بمزدلفة كما هو واضح، قالوا: وفي رواية عند النسائي، عن عروة بن مضرس: من أدرك جمعًا مع الإمام، والناس حتى يفيضوا منها، فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك مع الناس الإمام فلم يدرك، قالوا: ولأبي يعلى ومن لم يدرك جمعًا، فلا حج له. وأجاب الجمهور القائلون: بأن المبيت بمزدلفة، ليس بركن، عن أدلة هؤلاء القائلين: إنه ركن لا يتم الحج إلا به.
قالوا: أما الآية التي استدلوا بها على وجوب الوقوف بمزدلفة التي هي قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فاذكروا الله عِندَ المشعر الحرام} [البقرة: 198] الآية، فإنها لم تتعرض للوقوف بمزدلفة أصلًا، وإنما أمر فيها بذكر الله عند المشعر الحرام.
قالوا: وقد أجمعوا كلهم على أن من وقف بمزدلفة، ولم يذكر الله أن حجه تام، فإذا كان الذكر المذكور في الكتاب ليس من صلب الحج بإجماعهم فالموطن الذي يكون الذكر فيه أحرى أن لا يكون فرضًا، وأجابوا عن استدلالهم بمفهوم الشرط في حديث عروة بن مضرس المذكور «من أدرك معنا هذه الصلاة» الحديث. بأنهم أجمعوا كلهم، على أنه لو بات بمزدلفة ووقت قبل ذلك بعرفة، ونام عن صلاة الصبح، فلم يصلها مع الإمام، حتى فاتته أنه حجه تام، وقد قدمنا دلالة حديث عبد الرحمن بن يعمر على ذلك.